فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذنب حجب الصفات للنصارى {وَإِنَّ كَثِيرًا مّنَ الناس لفاسقون} [المائدة: 49] وأنواع الفسق مختلفة، ففسق اليهود خروجهم عن حكم تجليات الأفعال الإلهية برؤية النفس أفعالها، وفسق النصارى خروجهم عن حكم تجليات الصفات الحقانية برؤية النفس صفاتها، والفسق الذي يعتري بعض هذه الأمة الالتفات إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية {أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ} [المائدة: 50] وهو الحكم الصادر عن مقام النفس بالجهل لا عن علم إلهي {يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} الحق فيحتجب ببعض الحجب {فَسَوْفَ يَأْتِى الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} في الأزل لا لعلة {وَيُحِبُّونَهُ} كذلك ومرجع المحبة التي لا تتغير عند الصوفية الذات دون الصفات كما قاله الواسطي، وطعن فيه كما قدمنا الزمخشري، وحيث أحبهم ولم يكونوا إلا في العلم كان المحب والمحبوب واحدًا في عين الجمع.
وقال السلمي: إنهم بفضل حبه لهم أحبوه وإلا فمن أين لهم المحبة لله تعالى وما للتراب ورب الأرباب؟ا وشرط الحب كما قال أن يلحقه سكرات المحبة، وإلا فليس بحب حقيقة، وقالت أعرابية في صفة الحب: خفي أن يرى وجل أن يخفى فهو كامن ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر، وهذا شأن حب الحادث فكيف شأن حب القديم جل شأنه، والكلام في ذلك طويل {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} لمكان الجنسية الذاتية ورابطة المحبة الأزلية والمناسبة الفطرية بينهم {أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} المحجوبين لضد ما ذكر {يجاهدون في سَبِيلِ الله} بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم التي هي حجب المشاهدة {وَلاَ يخافون لَوْمَةَ لائِمٍ} لفرط حبهم الذي هو الرشاد الأعظم للمتصف به:
وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه ** هانت عليه ملامة العُذَّال

بل إذا صدقت المحبة التذ المحب بالملامة كما قيل:
أجد الملامة في هواك لذيذة ** حبًا لذكرك فليلمني اللوّم

{ذلك فَضْلُ الله} الذي لا يدرك شأواه {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} من عباده الذين سبقت لهم العناية الإلهية {والله واسع} الفضل {عَلِيمٌ} [المائدة: 54] حيث يجعل فضله، نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بفضله الواسع وجوده الذي ليس له مانع. اهـ.

.تفسير الآية رقم (55):

قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما نفى سبحانه ولايتهم بمعنى المحبة وبمعنى النصرة وبمعنى القرب بكل اعتبار، أنتج ذلك حصر ولاية كل من يدعي الإيمان فيه وفي أوليائه فقال: {إنما وليكم الله} أي لأنه القادر على ما يلزم الولي، ولا يقدر غيره على شيء من ذلك إلاّ به سبحانه؛ ولما ذكر الحقيق بإخلاص الولاية له معلمًا بأفراد المبتدأ أنه الأصل في ذلك وما عداه تبع، أتبعه من تعرف ولايته سبحانه بولايتهم بادئًا بأحقهم فقال: {ورسوله} وأضافة إليه إظهارًا لرفعته {والذين آمنوا} أي أوجدوا الإيمان وأقروا به ثم وصفهم بما يصدق دعواهم الإيمان فقال: {الذين يقيمون الصلاة} أي تمكينًا لوصلتهم بالخالق {ويؤتون الزكاة} إحسانًا إلى الخلائق، وقوله: {وهم راكعون} يمكن أن يكون معطوفًا على {يقيمون} أي ويكونون من أهل الركوع، فيكون فضلًا مخصصًا بالمؤمنين المسلمين، وذلك لأن اليهود والنصارى لا ركوع في صلاتهم- كما مضى بيانه في آل عمران، ويمكن أن يكون حالًا من فاعل الإيتاء؛ وفي أسباب النزول أنها نزلت في عليّ رضي الله عنه، سأله سائل وهو راكع فطرح له خاتمه.
وجمع وإن كان السبب واحدًا ترغيبًا في مثل فعله من فعل الخير والتعجيل به لئلا يظن أن ذلك خاص به. اهـ.

.قال الفخر:

وجه النظم أنه تعالى لما نهى في الآيات المتقدمة عن موالاة الكفار أمر في هذه الآية بموالاة من يجب موالاته وقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين ءامَنُواْ} أي المؤمنون الموصوفون بالصفات المذكورة. اهـ.

.قال الألوسي:

إنه سبحانه لما قال: {لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاء} [المائدة: 51] وعلله بما علله، ذكر عقب ذلك من هو حقيق بالموالاة بطريق القصر، فقال عز وجل: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين ءامَنُواْ} فكأنه قيل: لا تتخذوا أولئك أولياء لأن بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنما أولياؤكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فاختصوهم بالموالاة ولا تتخطوهم إلى الغير. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الثعلبي:

قال ابن عباس: أسلم عبد اللّه بن أُبي بن سلول، ثم قال: بيني وبين قريظة والنضير حلف وأنا أخاف الدوائر، فارتد كافرًا. وقال عبادة بن الصامت: أبرأ إلى اللّه عز وجل من حلف قريظة والنضير، وأتولى اللّه والرسول والذين آمنوا فأنزل اللّه تعالى.
{يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَاءَ} إلى قوله: {فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}، يعني عبد اللّه بن أُبي بن سلول إلى قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} يعني عبادة بن الصامت، وأصحاب رسول اللّه ثم قال: ولو كانوا يؤمنون باللّه ورسوله وما أُنزل إليه، ما اتخذوه أولياء، وقال بعض المفسّرين: لما أراد رسول اللّه أن يقتل يهود بني قينقاع حين نقضوا العهد، وكانوا حلفًا لعبد اللّه بن أبي سلول وسعد بن عبادة بن الصامت، فأما عبد اللّه بن أُبي فعظم ذلك عليه، وقال: ثلاثمائة دارع وأربعمائة منعوني من الأسود والأحمر أفأدعك تجدهم في غداة واحدة، وأما سعد وعبادة فقالا: إنا براء إلى اللّه وإلى رسوله من حلفهم وعهدهم فأنزل اللّه هذه الآية.
وقال جابر بن عبد اللّه: «جاء عبد اللّه بن سلام إلى النبي عليه السلام فقال: يا رسول اللّه إن قومنا من قريظة والنضير، قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل وشكى ما يلقى من اليهود من الأذى. فنزلت الآية فقرأها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: رضينا باللّه ورسوله وبالمؤمنين إخوة» على هذا التأويل أراد بقوله: «راكعون» صلاة التطوع بالليل والنهار. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في عبادة بن الصامت حين تبرأ من موالاة اليهود وقال: أوالي الله ورسوله والمؤمنين يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقال جابر بن عبد الله: نزلت في عبد الله بن سلام وذلك أنه جاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن قومنا قريظة والنضير قد هجرونا وفارقونا وأقسموا أن لا يجالسونا، فنزلت هذه الآية، فقرأ: عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله بن سلام: رضينا بالله ربًّا وبرسوله نبيًا وبالمؤمنين أولياء. اهـ.

.قال البيضاوي:

وإنما قال: {وَلِيُّكُمُ الله} وَلم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على التبع. اهـ.

.قال الفخر:

في قوله: {والذين ءامَنُواْ} قولان:
الأول: أن المراد عامة المؤمنين، وذلك لأن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال: أنا بريء إلى الله من حلف قريظة والنضير، وأتولى الله ورسوله نزلت هذه الآية على وفق قوله.
وروي أيضًا أن عبد الله بن سلام قال: يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، فعلى هذا: الآية عامة في حق كل المؤمنين، فكل من كان مؤمنًا فهو ولي كل المؤمنين، ونظيره قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71] وعلى هذا فقوله: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة} صفة لكل المؤمنين، والمراد بذكر هذه الصفات تمييز المؤمنين عن المنافقين لأنهم كانوا يدعون الإيمان، إلا أنهم ما كانوا مداومين على الصلوات والزكوات، قال تعالى في صفة صلاتهم {وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى} [التوبة: 54] وقال: {يُرَاءونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلًا} [النساء: 142] وقال في صفة زكاتهم {أَشِحَّةً عَلَى الخير} [الأحزاب: 19] وأما قوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} ففيه على هذا القول وجوه: الأول: قال أبو مسلم: المراد من الركوع الخضوع، يعني أنهم يصلون ويزكون وهم منقادون خاضعون لجميع أوامر الله ونواهيه والثاني: أن يكون المراد: من شأنهم إقامة الصلاة، وخص الركوع بالذكر تشريفًا له كما في قوله: {واركعوا مَعَ الراكعين} [البقرة: 43] والثالث: قال بعضهم: إن أصحابه كانوا عند نزول هذه الآية مختلفون في هذه الصفات، منهم من قد أتم الصلاة، ومنهم من دفع المال إلى الفقير، ومنهم من كان بعد في الصلاة وكان راكعًا، فلما كانوا مختلفين في هذه الصفات لا جرم ذكر الله تعالى كل هذه الصفات.
القول الثاني: أن المراد من هذه الآية شخص معين، وعلى هذا ففيه أقوال: روى عكرمة أن هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه.
والثاني: روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.
روي أن عبد الله بن سلام قال: لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول أنا رأيت عليًا تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع، فنحن نتولاه.
وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: الّلهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فما أعطاني أحد شيئًا، وعلي عليه السلام كان راكعًا، فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «الّلهم إن أخي موسى سألك» فقال: {رَبّ اشرح لِى صَدْرِى} إلى قوله: {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِى} [طه: 25 32] فأنزلت قرآنًا ناطقًا {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} [القصص: 35] الّلهم وأنا محمد نبيّك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرًا من أهلي عليًا أشدد به ظهري.
قال أبو ذر: فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال: يا محمد إقرأ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ} إلى أخرها، فهذا مجموع مع يتعلق بالروايات في هذه المسألة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ} قال جابر بن عبد الله قال عبد الله بن سَلاَم للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قومنا من قُرَيظة والنَّضِير قد هجرونا وأقسموا ألا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية؛ فقال: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء.
{وَالَّذِينَ} عام في جميع المؤمنين.
وقد سئِل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم عن معنى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} هل هو عليّ بن أبي طالب؟ فقال: عليّ من المؤمنين؛ يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين.
قال النحاس: وهذا قول بيّن؛ لأن «الذين» لجماعة.
وقال ابن عباس: نزلت في أبي بكر رضي الله عنه.
وقال في رواية أُخرى: نزلت في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وقاله مجاهد والسدّيّ، وحملهم على ذلك قوله تعالى: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
وذلك.
أن سائلًا سأل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعطِه أحد شيئًا، وكان عليّ في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه.
قال الكيا الطبريّ: وهذا يدل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة؛ فإن التصدّق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة. اهـ.